سورة الأنعام - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} فعبدت غيره {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني: عذاب يوم القيامة.
{مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} يعني: من يصرف العذاب عنه، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب {يصرف} بفتح الياء وكسر الراء، أي: من يصرف الله عنه العذاب، لقوله: {فقد رحمه} وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء، {يَوْمَئِذٍ} يعني: يوم القيامة، {فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أي: النجاة البينة.
قوله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} بشدة وبلية، {فَلا كَاشِفَ لَهُ} لا رافع، {إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} عافية ونعمة، {فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من الخير والضر.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الله السلمي أنا أبو العباس الأصم أنا أحمد بن شيبان الرملي أنا عبد الله بن ميمون القداح أنا شهاب بن خراش، هو ابن عبد الله عن عبد الملك بن عمير عن ابن عباس قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليا ثم التفت إليّ فقال: يا غلام، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وقد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بما لم يقضه الله تعالى لك لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروك بما لم يكتب الله تعالى عليك، ما قدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين، فافعل فإن لم تستطع فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع الكرب الفرج، وأن مع العسر يسرا».


{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} القاهر الغالب، وفي القهر زيادة معنى على القدرة، وهي منع غيره عن بلوغ المراد، وقيل: هو المنفرد بالتدبير الذي يجبر الخلق على مراده، فوق عباده هو صفة الاستعلاء الذي تفرد به الله عز وجل. {وَهُوَ الْحَكِيمُ} في أمره، {الْخَبِيرُ} بأعمال عباده.
قوله عز وجل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}؟ الآية، قال الكلبي: أتى أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرنا من يشهد أنك رسول الله فإنا لا نرى أحدا يصدقك، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فأنزل الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ} أعظم، {شَهَادَةً}؟ فإن أجابوك، وإلا {قُلِ اللَّهُ} هو {شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على ما أقول، ويشهد لي بالحق وعليكم بالباطل، {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ} لأخوفكم به يا أهل مكة، {وَمَنْ بَلَغَ} يعني: ومن بلغه القرآن من العجم وغيرهم من الأمم إلى يوم القيامة.
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد بن الحنفي أنا محمد بن بشر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن بشر النقاش أنا أبو شعيب الحراني أنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلي أنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن أبي كبشة السلولي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ معقده من النار».
أخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نضر الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها. فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».
قال مقاتل: من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له، وقال محمد بن كعب القرظي: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا صلى الله عليه وسلم وسمع منه، أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى؟ ولم يقل أخر لأن الجمع يلحقه التأنيث، كقوله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف، 180]، وقال: {فما بال القرون الأولى} [طه، 51] {قُلْ} يا محمد إن شهدتم أنتم، فـ {لا أَشْهَدُ}، أنا أن معه إلها، {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.
قوله عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ}، يعني: التوراة والإنجيل، {يَعْرِفُونَهُ}، يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته، {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}، من بين الصبيان. {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}، غبنوا أنفسهم {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}، وذلك أن الله جعل لكل آدمي منزلا في الجنة ومنزلا في النار، وإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار، وذلك الخسران.
قوله عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ}، أكفر، {مِمَّنِ افْتَرَى}، اختلق، {عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، فأشرك به غيره، {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}، يعني: القرآن، {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}، الكافرون.


{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا}، أي: العابدين والمعبودين، يعني: يوم القيامة، قرأ يعقوب {يحشرهم} هاهنا، وفي سبأ بالياء، ووافق حفص في سبأ، وقرأ الآخرون بالنون، {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}، أنها تشفع لكم عند ربكم.
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ}، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب {يكن} بالياء لأن الفتنة بمعنى الافتتان، فجاز تذكيره، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الفتنة، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم {فتنتهم} بالرفع جعلوه اسم كان، وقرأ الآخرون بالنصب، فجعلوا الاسم قوله: {أن قالوا} وفتنتهم الخبر، ومعنى قوله: {فتنتهم} أي: قولهم وجوابهم، وقال ابن عباس وقتادة: معذرتهم والفتنة التجربة، فلما كان سؤالهم تجربة لإظهار ما في قلوبهم قيل فتنة.
قال الزجاج في قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} معنى لطيف وذلك مثل الرجل يفتتن بمحبوب ثم يصيبه فيه محنة فيتبرأ من محبوبه، فيقال: لم تكن فتنت إلا هذا، كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام ولما رأوا العذاب تبرأوا منها، يقول الله عز وجل: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} في محبتهم الأصنام، {إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، قرأ حمزة والكسائي {ربنا} بالنصب على نداء المضاف، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت والله، وقيل: إنهم إذا رأوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى وتجاوزه عن أهل التوحيد قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد، فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر.
فقال عز وجل: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}، باعتذارهم بالباطل وتبريهم عن الشرك، {وَضَلَّ عَنْهُمْ} زال وذهب عنهم {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} من الأصنام، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها، فبطل كله في ذلك اليوم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8